السبت، 16 أبريل 2022

ليالي مارس( قصة الليلة الأولى-ج٢)

تتمة...

 التفتاَ الزوجان اليه بعدم تصديق، ليتمم وهو يقول: السيد ضياء، أنت مشتبه بك في جريمة قتل إبنتك.

فور أن أردف الشرطي هذا الكلام، سقطتُ على الارض بمفردي بدون تصديق وقد انهمرت الدموع وجهي بدون توقف كما انهمرت الشتاء في الخارج، لقد هطلت أخيراً، ها أنا أراها من شباك الممر أمامي، تهطل بقوة وأخيراً جاء الفرج وبكت هي الأخرى معي، كل قوتي خارت في تلك اللحظة لم أستطع قول أو فعل أي شيء، كل ما كنت أفعله هو البكاء بكل قوتي، بكيت بحرقة على ابنتي الوحيدة التي فقدتها وبكيت لأنني اعتمدت على الشخص الخاطئ في حماية طفلتي الوحيدة، بينما كان يجب علي أن أحمي طفلتي منه أولاً. ماذا سأفعل؟ سأجن، لا بل قد جننت حقاً.


{دائما اختياراتنا الخاطئة تجعلنا ندفع ثمناً قاسيا، ولو كنا ندفعه لوحدنا فقط بل حتى كائنات صغيرة لطيفة وبريئة تدفع الثمن أيضاً، ثمن لخطأ قامت به أمهاتهم، خطأ إختيار الرجل الخطأ.}


لقد اخترته بنفسي، زميل دراسة في أيام الجامعة، وعدنا أنفسنا أنه بعد أن نجد عمل سنتزوج  فوراً، وهذا ماحدث بعد أن تم تعييني في شركة كبيرة وهو أيضا وجد العمل الذي كان يريد أن يعمل به، تزوجناَ وأنا كلي أمل بأنني سأحقق كل أحلامي معه، فقد وعدني أنه سيكون رفيق دربي و سيشجعني على كل خطوة سأخطوها، لذا قررنا عدم إنجاب أطفال حتى نصل إلى عامنا الرابع أو الخامس ونكون  قد حققنا جزء كبير من أحلامنا لكن فور انتهاء عامنا الثاني بدأ يلمح لي بالانجاب وقد وعدني انه سيشل كل المسؤولية ويمكنني الإعتماد عليه في كل شيء، لهذا جازفت بالأمر وحملت، لكنني كان علي أن أدرك حينها أنه يخالف وعوده، فالوعد الذي قدمه لي قبل زواجنا هاهو الأن يخالفه ويريدني أن أنجب في الوقت الذي بدأت فيه برسم طريق نجاحي ولم يهتم إلى أهمية تلك السنة المهمة في حياتي العملية، لم يهتم كم كنت متعبة في عملي لكي أظهر إلى المتحكمين بسوق العمل كم أنا متفانية في العمل وأستحق مناصب أعلى، طلبت منه أن ينتظر سنتين فقط حتى أرتب عملي، لكن أصر كثيراً، وبدأ يلح لي ويخبرني أنه سيتكلف بكل المسؤولية كل ما يجب علي أن أفعله هو الإنجاب، فقط.

وقد كان مخطأ جداً لأنني أنا لست ألة للإنجاب، أنا إنسانة لدي أحاسيس ومشاعر، وفور أن أشعر بشعور روح في جسدي سيستيقظ بداخلي حنان الأمومة و أحاسيس لا يمكنني تجاهلها أو يمكنني مواجهتها، الألام التي سأشعر بها أثناء الحمل وبعده والإكتئاب والتغير الجسماني و النفسي، هذا كله سيأثر على إنتاجي في العمل وكفاءتي، لقد حاولت تكراراً أن أغير قراره حتى يُأجل فكرة الإنجاب لكنه لم يكن يوافق، و لكنني كنت مخطئة أيضاً لأنني وافقت على أمر لم أكن مستعدة له بعد، وافقت وسمحته له أن يخالف وعده لي وبهذا حتى لو وعدني لاحقا فسيكون من السهل عليه ان يخالفه أيضاً، وافقت على أن أتنازل عن الكثير من الأشياء من أجله ومن أجل الحب، وهاهو جزائي الأن، أهكذا تجازيني؟؟؟


-مستحيل، مالذي يحدث الأن؟ هل أنا حقا مكبل اليدين وأجلس في غرفة الاستجواب، من غير الممكن أن أقتل ابنتي، أنا لم أقتلها نعم لم أقتلها هي من فعلت ذلك، باستهتارها و لا مبالاتها، عملها و منصبها أهم من طفلتها وزوجها، نعم لم تهتم لأمرنا قط يوماً، ولم تجعلني أشعر أنني زوج و سند تستطيع الاعتماد عليه، كانت تقوم بكل شيء بنفسها بإسم المرأة المثالية العصرية ذات حقوق ومبادئ، صاحبة الشخصية القوية التي لا تقهر، لم تكن بحاجة إلي ولم تشعرني بذلك إنه خطئها نعم خطئها.

ضرب المحقق يده على الطاولة مستفيقا بذلك السيد ضياء من سهوته، ليصرخ هذا الأخير بقوة: نعم خطئها

رفع حاجبيه بعدم فهم: ماذا تقصد؟ 

-نعم هي الفاعلة، ذلك المخدر كان ملكاً لها، كانت تعاني من الأرق بسبب العمل و الافضع أنني زوجها و لم تخبرني بذالك، كانت دائما تصور نفسها على أنها تلك المرأة القوية ذات الشخصية الجبارة التي لا تقهر لهذا أخفت علي انها كانت تعاني من الأرق في النوم وكانت تأخد الأدوية لكي تنام، هل تدري أنني اكتشفت ذلك الأمر صدفة فقط؟ ذات مرة كدت أن أخرج من الحمام لألمحها  تشرب تلك الأدوية بسرعة ثم خبئتها في الخزانة لكي لا أراها  لهذا أنا أيضا عملت نفسي كأنني لم أرى شيء لكي لا تشعر بالضعف وتفقد صورتها المثالية التي ترسمها أمامي، فمن الممكن أن ابنتي أميرة وجدته صدفة أيضاً، و ظنته حلوى أو سكاكر ملونة لهذا أكلتها. 

ضرب المحقق أوراق بيضاء تحتوي على جداول فوق المكتب بقوة وهو يقول: هذه ليست أي حبوب منومة عادية يا هذا. إنها حبوب للاكتئاب الحاد، زوجتك كانت تعاني من إكتئاب ولم تكن تستطيع النوم أبدا أو الراحة  لهذا كانت تأخدهم بالإضافة الى أن هذه ليست أول مرة تأكلهم إبنتك، لقد وجدوا في جسدها نسبة من هذا الدواء وقد أكدت التحاليل أنها  شربتهم من قبل لكن هذه المرة  للأسف أخدت جرعة كبيرة مما أظهر في معدتها نسبة كبيرة سامة أدت الى تسممها فلم يستطع جسمها الصغير ذو الأربع سنوات تحمل الأمر وفارقت الحياة. 

حك رأسه بيديه بشكل عشوائي وقال بغضب: أرأيت كانت تعاني من الإكتئاب ولم تخبرني بذلك حتى، لو أخبرتني لما حدث هذا لطفلتنا ل...

قاطعه بحزم : ليس من الضروري ان تخبرك، عندما تكون المرأة مريضة أو مهمومة يظهر هذا على وجهها، فليست بحاجة لتخبرك، كان يجب عليك أن تسألها أو فقط أن تضمها لثواني وحينها ستجشع بالبكاء وستعرف حينها أنها ليست بخير، عندما رأيت الدواء كان يجب عليك أن تسألها عن الأمر يارجل! ولكن للاسف لم تفعل ذلك، وهذا ليس من مبادئ الرجال أصحاب المسؤولية وعائلة. و لنكن صريحين مع بعضنا البعض، الوضعية التي كانت عليها ابنتك والتي أخبرتنا عنها زوجتك لا تستطيع طفلة صغيرة أن تفعلها لوحدها لابد من احدهم حملها نحو السرير لأنه عال عنها كثيرا، بالإضافة إلى أن البطانية كانت ملفوفة عليها بشكل مرتب، كما أن الطفلة لا تنام الا بعد ان تحكوا لها قصة ومن عادتها بعد الانتهاء من حكي لها القصة تقوم بضمها اليها وتنام وهي تعنقها، و لا تستطيع النوم والأنوار منطفئة لانها تهاب الظلام، فكيف كانت الانوار منطفئة ورف القصص مغلق ولم تكن تضم أي قصة؟  وبهذا لا يدل الأمر على فتح خزانة القصص أبداً، ولنفترض أنك قصصت عليها قصة فهذا يعني انها نامت قبل خروجك من المنزل، فكيف يمكن لطفلة صغيرة أن تنام ثم تستيقظ في ذلك المكان المظلم والمخيف دون أن تبكي بل وتتوجه الى غرفة والديها وتفتح الدرج وتخرج الأدوية التي أخفتها أمها جيداً. فحتى أبيها لم يكتشف ذلك الا صدفة عندما كانت زوجتك تشربهم، كيف يمكن لطفلة صغيرة أن تقم بكل ذلك؟ اليس هذا الأمر غريب؟

-لا يمكن ان اقتل ابنتي، لقد احببتها اكثر من أمها حتى، فأنا من اردت أن ننجب طفلة لكي تبهج علينا المنزل، كيف أقوم بقتلها، إنها روحي الصغيرة لا يمكنني فعل ذلك نهائيا.

أمها لم تكن تريدها وحتى عندما أنجبتها لم تكن تعطف  أو تحن  عليها عندما تبكي، فاذا بكيت الطفلة وفي نفس الوقت جاء لسوسن مكالمة هاتفية، كانت ستفضل المكالمة على إبنتها، بينما أنا لم أكن أستحمل حتى رؤية دموعها اذا انزعجت من شيء ما وأذهب مسرعا نحوها وأحملها حتى تهدأ وتنام، انا من سميتها بأميرة، لانها اميرتي الوحيدة، لا يمكنني فعل ذلك. إنها حتما السبب، فبإهمالها حدث هذا.

المحقق: السيد ضياء كفاك كلاما تافها وأخبرني أين كنت بينما كانت أبنتك تسارع الموت؟ 

صمت السيد ضياء لثواني وهو يبلع ريقه ثم أردف بعد تفكير: لقد ذهبت فقط لكي اتمشى

أخد المحقق نفسا عميقا ثم توجه نحو الكرسي المقابل لسيد ضياء و جلس عليه بشكل مقلوب فارداً رجليه الى الامام ثم قال بحدة: وهذا المشي أخد منك وقتا طويلا لمدة بقيت في الخارج  منذ الصباح؟ وبالذات بعد خروج زوجتك بساعة ونصف فقط؟

رفع السيد ضياء بصره نحو المحقق بعدم تصديق لكن مالبث أن غير ملامحه وأردف منكراً: لا، لقد جعلتها تنام أولا ثم وضعتها في سريرها، بعدها خرجت لأتمشى قليلاً بعدما تأكدت انها ستكون بخير واغلقت الباب جيداً

المحقق: غريب، ففي التحقيق الأول قلت أنك تركتها تلعب في غرفة نومك انت وزوجتك واغلقت عليها الباب باحكام حتى لا تغادر الغرفة، خرجت لثواني لتحضر شيئاً ماَ، كيف أصبحت الأن نائمة؟ اسمعني يارجل!

-اردف المحقق باحتيال محاولا جعل ضياء يعترف- التهمة أصبحت عليك فلتعترف بالحقيقة فقط. 

-انا أقول الحقيقة، اقسم لك أنني خرجت في المساء لدقائق فقط بعدما نامت.

حرك المحقق رأسه: حسنا هذا يعني أنها توفيت بينما كنت موجود في المنزل؟ هذا دليل قاطع على إدانتك.

-لم افهم ماذا تقصد.

صرخ المحقق وهو يقف من مكانه منفعلا: لأن ابنتك يا مجرم كانت ميتة منذ الصباح وبالذات على الساعة الثانية مساءاً، واليك ماحدث بعد خروج زوجتك انتظرت لساعة ونصف ثم قمت بإطعام ابنتك وجبة الغداء ممزوجة بالدواء المخدر الذي تتناوله زوجتك لتنام بعدها بدقائق اخدتها الى غرفتها، ثم نظفت المكان، بعدها ظللت لدقائق او من الممكن انك خرجت في الحال او حقا كما تقول لقد بقيت في المنزل وانت تنتظر موت ابنتك لأنك وضعت نسبة مخدر مرتفعة جداً لكي تقتلها عمداً، ارتفعت دقات قلبها وماتت وبعدما تأكدت من موتها خرجت، اليس كذلك؟

حرك السيد ضياء رأسه بجنون:لا مستحيل لم أفعل ذلك، لم اقتلها لم افعل ذلك، مستحيل ان اقوم بهذا انها ابنتي الوحيدة، طرف كبدي من المستحيل أن أقتلها. 

قاطعهم صراخ بالخارج...


التتمة في الجزء الأخير.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ليالي مارس (الليلة الثانية- الجزء الأول)

 الجزء الأول؛ فتحت هاتفها و هي تقضم أظافرها بثوثر، تفتحه ثم تغلقه، تفتحه وتغلقه، مرارا وتكرارا، حائرة في ماذا يجب عليها أن تفعل ستجن؟ لم يحد...